إتخذنا مكانا هادئا في المقهى لكنه مرئي كان لا ينفك ينظر حوله خائفا من الناس التي تراه ولا يراها.. كان يريد أن يكشف كل الوجوه التي تحاول أن تراقبنا.. وكنت أستثمر وقتي في جمع الملاحظات عنه من خلال تصرفاته وردود أفعاله.. لم أكن مرتاحةً كثيرا لكن شيئا ما جعلني أرغب في لقاءه مرات ومرات، لغز ما جعلني أرغب في رؤيته مرات أخرى؛ يحضرني لقدري و ينصب لي فخاخ الوقوع في أكبر مآسي حياتي..
كان يوما ربيعيا مشمسا تلقيت فيها دعوة منه لإحتساء فنجان قهوة مع عائلته المتمثلة في أبيه الذي إعتكف على تربيته بعد وفات والدته ورفض الزواج رغم كل الضغوطات التي سلطت عليه لكي لا يعيش وحيدا وأصر على أن يفني شبابه لأجل فتاه الذي سيأتي يوما و يتركه بالضرورة لأجل إحداهن (إحداهن التي من المتوقع جدا أن أكون أنا، أنا التي كان دائما يحدثني بأهمية أبيه في حياته محاولا تحضيري لذلك القدر الذي سنكون فيه أنا وهو وأبيه أسرة صغيرة ودافئة كما كانت).جلسنا نحتسي القهوة في فناء المنزل تحت شجرة التوت الكبيرة بعد أن رحب بي أباه (العم صالح) ترحيبا لا يمكن أن أقول عنه سوى أنه فوق المتوقع.. أخذت أترشف القهوة بهدوء مستمعة لحديثه الممتع مطرقة مستمتعة بثقافته العالية وثورية أفكاره التي يبدو أنها لا تنقل بالوراثة لذلك لم أجد منها في إبنه شيئا، وكعادتي كنت أكره القهوة المنسكبة على جانب الفنجان الذي أشرب منه فأعمد أحيانا لمسحه بعفوية. لاحظ العم صالح ذلك واستغربه جدا لذلك وجه إهتمامه وتركيزه من سرد الحكايات التارخية المهمة وإسقاطها على واقعنا السياسي وتفسيره إلى الاهتمام بي فسألني عن سبب ما أفعله معتقدا أني لا أستحسن القهوة أو شيئا من ذلك:- ألم تروقكِ القهوة يا إبنتي؟؟- أه، لا لا.. لقد أعجبتي وهي كما أحبها مرة وثقيلة..حينها تدخل إبنه قائلا مع إبتسامة عريضة أمسك بها ضحكة طويلة:- أكيد أنك تستغرب لماذا تمسح جانب الفنجان، إنها فقط معتادة على ذلك..قال العم صالح مستغربا:- لكن لماذا؟؟فسكت ابنه لأنه لا يعرف لماذا ولم يهتم أبدا لذلك كما أنه لم يهتم أبدا لتفاصيلي الصغيرة وحتى الغريبة منها لأنه كما أرى لديه أب غريب أيضا يجعله لا يستغرب شيئا وبالتالي لا يتسائل عن شيء من غرابتي، غير مكترث لمحاولة فهمي، فأجبت أنا عن نفسي بسرعة لأبدد إستغراب هذا الرجل الغريب الذي ربما سيزدري فعلتي و يحكم علي حكما خاطئا..- لقد تعودت على فعل ذلك، لدي نوع من الهوس بالترتيب وقطرات القهوة السائلة على جانب الفنجان تثير جنوني، آسفة إن كان تصرفي أثار اشمئزازك..لكن العم صالح ابتسم ابتسامة دافئة تنم عن الرضا عن إجابتي واستحسانه لما قلته..العم صالح هو مربي تقاعد منذ سنة، تفرغ خلالها للكتب والكتابة وهو على درجة عالية من الثقافة، نظرته ثاقبة أشعر من خلالها أنه يتجول في ثنايا عقلي بسهولة ولم تترك السنين أثرا كبيرا عليه فيمكن أن تتكهن من خلال مظهره أنه في الأربعين من عمره في حين أنه تجاوز الخمسين بسبعة ربما لأنه دفن زوجته مبكرا وإرتاح من نكد النساء الناتج عن قهر المجتمع لهن كبنات جيلها جميعا.. لم أشهد أبدا في حياتي رجلا في سنه لديه نفس الأفكار المتقدمة المعاصرة، لم أشهد يوما في مثل ثقافته ومعرفته الواسعة، بالإضافة لأنه قام طوال حياته بجمع مكتبة ثرية وواسعة متضمنة كثيرا من الكتب النادرة وهذا ما جعل منزله ملاذا لي بحضور ابنه وغيابه حتى أن علاقتي تحولت من إرتباط بابنه كصديقة مقربة إلى إرتباطي بالمنزل عامة ومكتبة العم صالح خاصة.. حتى العم صالح كان في حد ذاته معرفة يمكنني أن أنهل منها..العم صالح الذي ما كان ينفك ينادي ببنيتي ويداعبني دائما، فكان يسقيني من حنانه كأني الإبنة التي لم يحصل عليها.. وهكذا تطورت علاقتي بالمنزل إلى علاقتي بصاحب المنزل الذي كان أنيسي في غربتي الفكرية بحكم أننا نتشارك الكثير من الأفكار رغم أن معرفتي لا تقارن أصلا بمعرفته..العم صالح أصبح الحضن الذي أركض إليه في لحظات ضعفي والعقل الذي أركن إليه في لحظات ضياعي والقلب الذي أسكن إليه لحظات ألمي..قوة ما تجمع روحينا أمام عظمة الوجود، قوة نسميها أبوة ولم نشك يوما في هذه التسمية، فلم يهمني ويهمه سوى أننا نرتاح في السكون إلى رفقة بعضنا البعض والهرب من ضوضاء المدينة إلى سكون الكتب والمعرفة.. لكن هذا لم يدم طويلا حتى حدث ما حدث.. في أحد أمسياتنا الجميلة التي نهرب فيها أنا والعم صالح من بئس العالم الذي يحاصرنا، ثار خلالها ابنه علينا متهما إيانا بعلاقة أخرى غير الأبوة بيني وبين أبيه، وقوده الغيرة، اتهمنا بأننا على علاقة حب وتحجج بأن هذا باد على محيينا وكثرة لقاءاتنا و خاصة أباه الذي تغير في الفترة الأخيرة فأصبح كثير الشرود والتفكير ويتهمه بابتسامات بلهاء لا تفارقه في شروده، كان ذلك الموقف من أكثر المواقف مذلة ومهانة مررت بها في حياتي فتركت منزلهم يومها مغتاضةً، مهانة ودون أن أنبس ببنت شفة، رحلت عاقدة العزم على هجر ذلك المنزل إلى الأبد.. فالعودة كانت من المستحيلات التي تأباها علي كرامتي ويحرمها علي كبريائي..يا لفظاعة ما حصل!! لقد اتهمني بأني على علاقة حب بسي صالح الذي أدعوه أبتي الروحي، الرجل الذي رأيت فيه الروح الوحيدة التي قدرت على احتوائي واحتضاني.. العم صالح هي الروح التي سكنتها وسكنتني.. إنه الأب الحقيقي بمفهوم الاحتواء الذي لم أعرفه أبدا، إنني اليوم أحرم منه بسبب غيرة غبية..
مكثت أيامًا في منزلي متأثرة بهول المذلة التي تعرضت لها، يحبطني الشوق عن أي عمل وحتى عن مفارقة الفراش.. ألزمتني كلمات ابن العم صالح الفراش وأمرضتني واجهت خلال هذه الأيام نفسي وعمدت لترتيب الأشياء في ذهني وتحليل وفهم ما حصل وسبب هيجان الابن علينا، واجهت فيها مشاعري محاولة تسمية الأشياء بمسمياتها وكلما بدأت تتضح أمامي كلما زاد فهمي لما حصل وزاد مرضي، هل يعقل أن يكون ما بيني و بين العم صالح حبا؟! أه مازلت أقول العم صالح..أنا أشتاقه وبشدة..يألمني فراقه و كأني تركت بعضي لديه..
أحدهم يدق باب الغرفة..-من؟؟يأتيني صوت أمي مهمها فأردف بسرعة..-أمي لا أريد أن آكل و لا أن أشرب ولا رغبة لدي في رؤية أحد.. أتركيني لأرتاح..- لكن يا بنيتي أتى ضيف مهم لزيارتك ويصر على ذلك..- من؟؟-إنه السيد الصالح يا حبيبتي وهو برفقتي الآن ويستأذنك للدخول..
إرتبكت كثيرا كان برفقتها وسمع رغبتي في الانزواء لكنه مصر على مقابلتي.. أسرعت نحو المرآة لترتيب مظهري قليلا.. وفتحت الباب بسرعة مستقبلة إياه مشفقة على نفسي من ثقل حجم الإشتياق الذي تعاظم داخلي مانعا عني الراحة ومن فرط احترامي للسيد صالح الذي لا يصح أن أتركه منتظرا كل هذا الوقت.. أردت أن اعتذر له:- آسفة لأني تركتك تنتظر لم أكن أتوقع زيارتك أبدا..يرد صالح مع إبتسامة حانية ونظرات شفقة فيها الكثير من التأسف:- أنا أعذرك وأفهمك..- حسنا يا أمي هلا أحضرتي للعم صالح قهوته المعتادة؟؟؟ردت أمي بالإيجاب وذهبت مسرعة لتحضير ضيافة العم صالح وكثير من السعادة تعلو محياها معتقدةً أنه ربما جاء واسطة ليجمع بيني وبين إبنه برباط رسمي..
برحيل أمي لم أتمالك نفسي ولم أستطع أن أكبح جماح شوقي وإرتميت على صدره معترفة بإشتياقي وقد تسربت بعض دموعي الحارقة من خلف القميص الصيفي إلى جلده لكنه لم يتأثر ظل محافظا على بروده وثباته وصمته وهذا ليس غريبا على السيد صالح ولم أستغربه كثيرا، قطع علي لحظتي تلك بعد أن أبعدني عن صدره بيديه لتقابل عيني عينيه:- لقد جئت اليوم تحملني أيادي عاطفتي ومشاعري.. لا أدري كيف حصل لكنه حصل.. وقد ولدت فينا في غفلة منا معجزة رائعة بروعة ما تكتمه من آلام ستنتج عن حرمة لقائنا واجتماعنا تحت تلك المعجزة ومعها أمام الشرائع الإجتماعية الفاسدة سيتهمونني بالشذوذ و يتهمونك بالعهر والبحث عن مصلحة ما لا يرونها حتى وفي أفضل الأحوال سيتهمونك بالغباء ونعلق مضغة في أفواههم ليوم غير معلوم.. إني جئت أناشدك أن لا ترتبطي بإبني لأنه يعتزم ذلك فلن أقدر أن أراك في أحضانه.. سيمزق ذلك فؤادي ويسحق قلبي ويعلق روحي على مناجل التعذيب الأبدية.. رأفةً بقلب رجل كبير أعيته الحياة وجمد برد العمر كل مظاهر الحياة فيه ولا تقبلي به وسيكون لك على الأكيد من هو أفضل منه..هنا قطعت عليه كلامه بحنق كبير وبكبرياء واضح:- كيف تسمح لنفسك أن تتدخل في حياتي وتحدثني بما تحدثني الآن..فطأطأ رأسه وقد حلت كلماتي على قلبه كالصاعقة ورأيت دمعة محبوسة في أحداقه تجمدها محاولة طويلة منه للثبات والوقوف منتصب القامة على حافة جرحه فعرفت فداحة ما تفوهت به وأشفقت على قلبه وتألمت لألمه الذي دعاه لطلب ما طلبه فإستدركت:- لن أرتبط بإبنك حتى لو لم تطلب مني لأنك تعرف أني لا أحبه وتعرف كما أعرف قداسة إرتباط الحب بالزواج عندي...رأيت بعض الراحة قد إرتسمت على وجهه لكن نفس الدمعة المحبوسة ظلت تسكن نظرته.. فعدت للحديث محاولة التماسك والصمود أمام حضنه الدافئ المغري وكتم شوقي و تلجيم حبي برباط قوي من العقل:- أتدري ماذا أيضا... إني.. إني.. أحبك.. وها أنا أسمي الأشياء بمسمياتها بكل صدق وصراحة كما علمتني ذات يوم وكما لم تفعل أنت اليوم.. إني أحبك ولا أدري كيف ولماذا وأعرف أنك تشاطرني هذا الإحساس وهذا الشوق المدمي..وهنا لم أستطع أن أمنع دمعي من النزول وانهرت باكية فسمح له كبرياءه أن يدع دمعته التي حبسها كثيرا خجلا من صورة الرجل القوي الذي حاول رسمها كثيرا لدي لأن في بلدتنا الصغيرة على تلّة العادات والتقاليد الشرقية البائسة دمعة الرجل لا تتعدى اعترافا مخجلا بالضعف.. كم أشفق عليه وعلى نفسي من هول الورطة التي وقعنا فيها وقد كان يصغر أبي بعام واحد ولن يسمح لنا المجتمع بالإلتقاء واغتنام المعجزة التي نزلت على قلبينا وخصّتنا بها الصدفة دون غيرنا..عندما فكرت في الجوهرة التي حدفت في أحضاننا ولم نقدر على التقاطها لشدة التهابها ندبت حظي ولعنت قدري واغرورقت عيناي حزنا وهممت أن أعدل ظلم الصدف والظروف، هممت أن أفتح أمامه أبواب الأمل في اللقاء والإجتماع رغم كل ما سيجره علينا من عناء..هممت أن أقنعه بأني سأبيع كل الدنيا وأرفس كل أحكام المجتمع لأكون معه لكن أمي دخلت حاملة طبق الحلويات والقهوة مبتسمة بشوشة متأملة الخير من الزيارة، ليتها كانت تعرف ماذا كنت أحس وماذا كنت أعيش ربما لتشفق على إبنتها من هول ما أصابتها به يد السماء.. مسحت بسرعة أثار الدمع عن وجهي وتظاهرت بالتماسك وكذلك فعل صالح حبيب قلبي وقال:- ما كان يجب أن تكلفي نفسك فلست بغريب بالإضافة أني قد أتممت الحديث مع ابنتك الفاضلة وها أنا ذاهب..التفت نحوي ورماني بنظرة محملة بالكثير من الرسائل التي سأظل أفك رموزها إلي لحدي وأردف:- أرجو أن تفكري في ما قلته لك وأتمنى أن يوفقنا الله إلى ما يحب ويرضى...ثم إلتفت إلى أمي مع إبتسامة رضا متكلفة وأضاف:- تشكراتي سيدتي على استقبالي وحسن استضافتي.. إلى اللقاء..رغم إصرار أمي على بقائه على الأقل ليشرب قهوته ثم يرحل رفض بإصرار..بعد رحيله أصرت أمي على معرفة ما جاء لأجله فقلت أنه يريدني أن أقبل بطلب ابنه لي للزواج فهو يعرف إصراري على الرفض ومازلت رافضة وسأظل وترجيتها أن لا تزيد الأمر سوء بتدخلها فلم تفعل كي لا تزيد ألمي الذي كان باديا جدا على محياي وتركتني في غرفتي للألم يمزقني ولشوق مطول يلوكني وسخط كبير على الحياة التي صيرتني لمثل هذا الألم الذي هو فوق طاقتي على التحمل والصبر..لماذا نجتمع إذا كنا لن نلتقي؟؟لماذا تحضر إذا كنت سيد الغياب؟؟؟لماذا أرتب حياتي على وقع ساعتك إذا كنت مع الفوضى أحباب؟؟
هكذا همست لأعمق أسرار الوجود وانصهرنا على عتبات اللقاء الشبيه بوجع الفراق، وأتذكر كلمات درويش توقظ في حقيقة الواقع وتبرز لي حدة سكاكينه "لم نفترق، لكننا لن نلتقي أبدا"..كم تظاهرت بالغباء لأحصن إيماني وأنفخ في أملي ملهبة عشقي للحياة.. كم تنازلت وقنعت، كم أحببت وتمنّعت، كم عشت في حياتي أنصاف تجارب وكم وقفت بساق حافية على حد سكين يقسمني نصفين وأنا صامتة، ليتني حينها بكيت وانتحبت، ليتني إنتفضت وثُرتُ على الألم ورغم التمنيات مازالت تحكمني أنصاف المواقف لقاء بطعم الفراق وانصهار بطعم الموت وتعانق بطعم الدماء تسيل من جرح التمني، ليتنا في عالم غير العالم وتحت سماء غير السماء..وبينما أنا وسط تلك الفوضى يأتيني ذلك السؤال ليهدي لقلبي القليل من السلوى ماذا لو جئتِ الحياة ورحلتِ ولم تذوقي حتى ذلك اللقاء المطعم بالفراق ماذا لو لم تشهدي الدليل القاطع على تكامل الأرواح وحقيقة إنقسامها في هذا العالم؟..كل هذا والحقيقة لا تتغير "لن نفترق لكننا لن نلتقي أبدا"..
اليوم تتشتت مفاهيمي تتبعثر وتتكون على تضاريس ذلك السر من أسرار الوجود فيتغير معنى الوطن وتذوب أوجاع الغربة، إيماني يتعاظم أمامي ليفهمني كنه الوجود ويوسع قلبي ليسامح كل الجلادين والظالمين ويغفر كل زلات الإنسان بدءا من بائعة الهوى تلك التي أحبت رجلا من الأشراف فسرقته من بيته وحرمت إمرأة أخرى نظيرة لوجعها من قلب دافئ وجسد ملتهب وتلك الفتاة الصغيرة التي عشقت أستاذها الذي يكبرها بسنين فأضاعت العلم لأجل الحب وانتهي بكل تلك النساء اللواتي اشترين فرح قلوبهنّ بوجع نساء مثلهن، أغفر اليوم لجميع من خان وأوجع وجرح وهجر وبنى سعادته على تعاسة غيره باسم أنبل أسرار الوجود...
فوضى عارمة في عقلي وروح مشتتة بين الفرح والبكاء حائرة في التعرف على مصدر كل تلك الكمية من أحمر الألوان ومصدر سيلانها، مجزرة أم أنه الربيع يدق أبواب شتائنا ويسيل الأنهار المتجمدة ويحطم كل الفروقات و الطبقات بين الإنسان وأخيه، بين الروح وساكنها، بين ساكن القصر واليتيم الذي ينام تحت السماء دثاراً مفترشا الأرض مضجعاً قانعًا بما لديه ثريا بما في قلبه من ألم وكآبة تدنيه من جوهر الحياة وتزوجه من الحقيقة التي تتقرب منه شيئا فشيئا بتعريها أمامه إلى أن تسلمه ذاتها ليتزاوجا ويتلاقحا دانيًا من الكمال والخلود، كم هو غني بفقره وكم هو ساكن القصور فقير بماله.. وكم أنا غنية بحرفي ووجعي وتجربتي وذاكرتي وكم هم واهمين وأغبياء بطلب النسيان وفناء العمر وراء بهرجة الأضواء ولمعان الذهب..
ظللت على قيد تلك الفوضى والوجع إلى أن إقترب فجر اليوم الموالي فهمست لنفسي:"نفسي حبيبتي هيا للنوم، في صباح اليوم الجديد عرّفي و غربلي و نظمي ربما تكونين أكثر قدرة على ذلك"تطل علي شمس النهار الجديد وتدغدغني أول خيوط الشمس رغم أني نمت متأخرة وتهيئني لضرورة تقبل وجعي الجديد وكآبتي الطارئة، مع دمعة شوق محبوسة في الأحداق أتعانق مع حقيقة وجودي وأنصهر معها.. بكل سعادة أقول إنه الألم... وأمضي وحيدة كما كنت دائما مع عاهة خطيرة في القلب تسمى الفراق وشلل بالغ في الروح نتيجة حب خارج القانون أو أنه حب قانوني مستوي في مجتمع منحرف النوايا والتفكير والأحكام.. وأظل كل ليلة ألعن كل الشرائع ويزيد سخطي على مجتمع سلبني حلمي وحبي.. على مجتمع سلبني الحياة منذ عرفت كنهها ونشدت جوهرها بالحرية، فقط لأني إمرأة...
إمرأة في بحثها عن عدالة الإله
0 التعليقات:
إرسال تعليق