"لا تحاول فهمي "
ثم رحلت.. كنت أختلس النظر في غفلة منه لألمح طيفه المترنح من سكرة الغياب, كانت دمعة فراقه تثير شهوتي المكتومة للحزن.. أحيانا أعتقد أني رحلت فقط لأستمتع بحزن الفراق, لأستلذ بطعمه الفريد.. ربما لن تتاح لي فرصة أخرى لاستمتع بمثل هذا الألم, ألم حب في طور الدفن و الإندثار..
مشيت بخطى ثابتة نحو هدفي, و لأول مرة في عمري كان الهدف يقترب مني بقدر إقترابي منه.. يطلبني بقدر ما أطلبه..
النسيان كان مطلبي في الكثير من مؤاسي حياتي لكنه في جميعها يلعب معي دور الحبيب المتمنع.. يقترب مني فقط ليذيقني لذة وجوده ثم يهرب ليمعن في عذابي.. لكنه اليوم يقترب نحوي ليعانقني, ليريحني, ليحقق مبتغاي.. لكن لماذا؟؟ كان عيب الذاكرة دائمة أنها لا تحفظ سوى ما نريد نسيانه..
لماذا النسيان هذه المرة يسعى لعناقي و النوم في أحضاني؟؟؟
ربما كان حبا فريدا لذلك كان الفراق فريدا أيضا..
كنت استمتع بدور الام معه.. كلما وجدت في نفسي بعض القوة حقنتها إياه و ارضعته من ثدي تفائلي إلي أن إستنزف كل أملي.. إستنزف كل قوتي التي أجمعها بجهد عامل منكه يعاني من إستغلال البرجوازية التي هي الحياة لقوته.. لم أكن بتلك القوة لتحمل كل ما رماه من هموم فوق كاهلي.. كنت مثل أكثر سكان هذه البلاد الظالمة أعاند الحياة و أقف في وجه الألم بأعين جاحضة لأخيفه و ورائي اليأس يتأهب لإغتيالي مع أول ضعف أو إنكسار..
كان هو تلميذ اليأس النجيب, كان أداة له ليضعفني و يكسرني ليمهد الطريق لإغتيالي.. إغتاله قبلي و سيره عبدا له كالكثيرين مثله ليقضوا على شعلة الأمل و الخير.. كنت أخبره بهذا دائما لكنه لم يفهمه..
عينيه تنظران لشيء لا يراه غيره و عقله دائم الشرود في ثنايا ضياع بلا نهاية..
إنه إدمان تلك السجارة اللعينة, تجعله يميل للتأمل و الغياب, تجعله دائم السفر في سحابات وطن غريب, وطن يحسسه بأمان كاذب, وطن يهرب إليه من غربة الواقع...
أنا إمرأة قوية عائدة من رحلة موت كادت أن تبتلعني للابد, كنت أحتاج ذراعا أقوى من ذراعي لأحتمي تحته في لحظات ضعفي و كنت أريد حضنا قادرا على إحتواء زابعي الكثيرة القوية.. كنت احتاج رجل, و ليس جثة رجل قتل الافيون في عقلها كل ذراة الحياة..
كان و كنت.. فعل ماضي.. ماضي عصي على التكرار.. التاريخ لا يعيد نفسه سوى في شرع الاغبياء..
لماذا في حكايتنا كان النسيان يطلبني كما أطلبه؟؟؟
لم يكن نسيان ما طلبني بل حظه البائس..
قدره الحزين منع عنه لحظة الحب.. كنت أنا أداة أخرى للحياة لتمعن في عذابه و حين إنهى دوري وجهتني نحو الفراق..
يدي أصابها الفتور و لم أعد قادرة على سحبه اكثر من البأس.. افلت يده و تركته لتيارات أجهلها..
حين جاء الفراق, لم نقدر على عناده.. الفراق كان ضرورة طلبتنا مثلما طلبناها..
0 التعليقات:
إرسال تعليق