الأحد، 29 ديسمبر 2013

مازوشية.. على سرير الصدق نموت و نحيا.. (جزء 2)


عدت لحديثي و كما كان يريد أن يسمع تاريخي ليروي ضمأه من صدقي و في النهاية يهديني غفرانه, كنت أتحدث لأتخلص  من كل ذلك الوجع و كل ذلك القيح الذي ملأني وحدي و كتمته في أعماق قلبي و ذاكرتي و إمتلئ بي كما إمتلئت به.. 
"لم يكن سوى ذئب غادر غدر بقلبي في ليلة قمرية جميلة, سرق مني لذة إنتظترها غصبا أو إغتصابًا على فراش أحلامي أو على فراش كفراش أحلامي.. كل تلك الظروف التي تواطأت معه لتزيد في عمق جرحي.. لتمعن في وجعي.. كان حبيبي, لا بل كان الرجل الوحيد الذي حلمت.. كان اب لثمانية من أطفالي حلمت بإنجابهم و أهديتهم نسبه و أسميتهم باسماء أحبّها و نسيت ما أحببته من أسماء.. إكتشفت بعد ما حدث لم يكون سوى لقطاء أحلامي لأني أنجبتهم دون موافقة مشتركة فقتلتهم بصمت و على عجل لكي أتأكد من أن لا تسيل دمائهم فاضحة فضاعة حلمي المسروق خلسة من أنانية رجل طاغي.. سرق من كل  "سعادتي مستغلا ثقة سكنت خارج العقل و حب كان نتيجة لسذاجتي و غبائي لا غير... سأعود بك لأصل الحكاية.. "
و صمت قليلا محاولت أن أرسم في مخيلتي كل ما طوته الذاكرة و جهزته للنسيان و قد كنت الفتاة التي قصدها لطفي بوشناق في أغنيته التونسية الشعبية "نسّاية" ذاكرتي تختص دائما في تذكر كل ما يكتسب صبغة محزنة ليس لأني فتاة كئيبة بل لأني أملك إيمانا راسخا بأن  تجربة الألم هي الهدف من وجودي كإنسان حيث أنها غنية بمحفزات التغيير و التقدم.. بعد أن إستجمعت بعض الصور من تلك الحقبة الغابرة من تاريخي, عدت للحديث مكسراةً الصمت الرهيب الذي ساد المكان ذلك الصمت الذي يخفي فيه  لطرف الآخر زوابع كارثية في عقله و صراخا مصمًا في قلبه..
" لقد كنت فتاة ذات مظهر ذكوري حتى أنّ معالم أنوثتي ظهرت متأخرة, ربما أنا من كنت أخفيها بغباء فادح, حيث أنه لا يكفي قميص فضفاض و سروال و حذاء رياضي أن يخفي شكل أردافي الواضح و حجم صدري البارز, في عمر الخامسة عشر و قد مضى على بلوغي سنتين أو أكثر قليلا, عشت تجربة غريبة عن جسدي و عاطفتي حار فيها عقلي حيرة كبيرة, و كان ذلك بعد أن تعرفت على أحد أقارب صديقة لي و قد كان يكبرني بخمسة سنوات, أعراض مرض ما قد سكني حرمني من الأكل و زاد في أرقي و فهمت في ما بعد أني قد وقعت في الحب,  لا جدال أني ما عشته حبا حقيقيا و تجربة صادقة و عميقة, طاهرة قدر طهارتي قلبي الذي كان أول الداخلين له و أول الملوثين له, لكني اليوم أشك و لست واثقة من أن الشخص الذي أحببته في عقلي و أسكنته قلبي هو نفس الشخص الذي رافقته و دنس طهري و قسم ظهري و أعدم أحلامي و مرر أحلى سنوات عمري, لم يكن أمامي معه أي فرصة بحكم سني البعيد عن سنه و البعد القلبي و العقلي و الجغرافي, و ظللت سنوات أتمعش من طيفه و أعيش له لا غير و لا أحلم سوى به و له, كل أملي في الحياة أن يعود إليّ الحبيب و أرتمي في حضنه لأسكن فيه و أموت فيه.. نعم لقد أحببت و كان حبا عاصفا, صادقا, قويًا.. لا يزيده البعد سوى رسوخا و لا يزده الزمن سوا عتقًا و قيمة.. و في ظروف لا يمكن أن أقول عنها سوى أنها إعجاز.. معجزة ما حضرت لتجمعني به بعد ثلاثة سنوات من الفراق و البعد التي لم يتخللها أي لقاء.. إجتمعنا.. هل أقول اليوم بعد ما عشته و ما أجمل اللقاء و ما أجمل الحب حين يكون متبادلا بين الطرفين, هل أحدثك اليوم عن حلاوة اللقاء و إكتمال حلمي و حبي أم أحدثك عن خيبتي فيه و لوعتي منه.. لقد وجدت إنسانا غير الذي أحببتُ و غير الذي حلمت و أسكنه مدني المثالية, لقد إكتشفت أني حملت شخصه كمالاً أكثر من اللازم فكانت خيبتي فيه أكبر من اللازم دامت علاقتنا ثلاثة سنوات.. و لا أدري كيف دامت و كيف كبر تعلقي به لهذه الدرجة, حتى أني كنت أتعامل مع كل ما كان يسببه لي من دمار على أنه قدر إلاهي لا مناص منه و لا حل له سوى الصبر و إنتظار معجزة أخرى تجمعنا حول التفاهم الروحي و كما جمعتنا الأولى جسديا.."
خلال حديثي كنت أتعمد أن لا أتعمق في التفاصيل رغم أني كنت أذكرها واهمةً إياه أني لا أتذكر و تاركةً له حرية التخيل و إختيار مسارح الحياة التي جمعتنا و يختار منها ما يناسبه, ما يحدث شرخا في علاقتنا أو ما يقربنا و يمتّن كل الصلات بيننا, أردت أن يختار في النهاية بين مواصلة حياته معي أم لا, لذلك لم أغالي في تصوير دور الضحية, رسمت إحساسي و ما عشته بكل موضوعية..
" أتصور أنك متشوق لتعرف كيف كانت نهاية علاقتنا و ما الشيء الذي فجر حبا دام كل هذه السنين و نشر أشلائه في روحي إلى درجة أنه جعلني أفسد عليك لذة يومنا هذا, اليوم الذي نجتمع فيه و نربط فيه روحينا كما جسدينا  برباط طاهر مقدس إلى الأبد, اليوم الذي أجمع فيه معك ثالوثي المقدس(حب+جنس+زواج) و أوثقه برابط التفاهم الروحي القوي, لقد كان حبيبي السابق غريبا الأطوار في حياتنا الجسدية و الجنسية فكان يتعفف عن كل فُتَاةِ اللذة التي يعيش عليها كل العاشقين من لمسات و أحضان و قُبل و حتى الهمسات و تشابك الأيادي في طريق فارغ خال,لقد كان يخاف علي من كل همزات و لمزات الناس و الأقارب.. ليس لأسباب دينية بل لأسباب إجتماعية و حسابات شخصية لم أفهمها إلي الآن لكن...."
 و هنا أحسست غصة سدت حلقي و كتمت صوتي و أغرقت جرحي في الدماء بعد كل ذلك النبش الطويل و تمنيت أن يحثني على الصمت و يطلب مني أن أرتاح و أركن إلي فراشي بعد كل ذلك الإعتراف المضني و مواجهتي لشبح الماضي بعد سنوات من محاولة النسيان و التعافي لكنه لم يفعل لأنه هو أيضا لن يهدء له بال أو خاطر حتى يعرف سري و  يتوحد مع أهم أحداث تاريخي و يتوهم أنه إمتلكه كي لا يقتله الشك و ينهار هرم الثقة الذي بيننا.. 
إستجمعت فتاة ثقتي و قوتي و رممت كل ذلك الضعف و الإنكسار الذي بدى عليّ و رجعت للحديث:
"  تعيش كلمة "لكن" دائما بين ثنيات فرحتي و قاتلةً حلمي, غريب أليس كذلك, أن  تقلب تلك حروف حياتي إلى هذا الحد, تقلب الحب إلي كره و السعادة إلى ألم" 
دون أن أشعر كنت أطيل المقدمات لأني كنت خائفة جدا من إعترافي ذاك, لأوضح, لست خائفة من ردة فعله هو بل خائفة من نفسي فأنا لأول مرة أسرد ما حدث حتى بيني و بين نفسي, كنت أعيش أحداث  تلك الليلة فقط, رغم تجاهلي لها في وعيي و صحوي أجدها تجتاحني و تغزوني في لاوعيي و نومي, كل تلك الذكريات كانت كوحش تغذيه الأساطير عبر الأزمنة فيستمر في التعاظم ربما كان يجب أن أتحدث عن جرحي بتفاصيله لكي لا يتعاضم ألمه و يكبر ليصبغ لونه على كل تفاصيل حياتي حتى إبتسامتي إستبغت بمرارة تجربتي.. فقررت أن أبزقها دفعة واحدة لأريحه و أستريح:
-لقد إغتصبني...
-آآآآآآآآآآآآآ... ماذا؟؟
-لقد إغتصبني.. و أكثر من ذلك.. لقد حملت من تلك العلاقة كرمز لسوء حظي و قمت بإجهاض أول طفل لي 

أههه, لقد قلتها لا أخرجتها من قلبي في الوقت التي كنت أختنق بها شيئا فشيئا ذاهبة بي لحدفي.. أشحت بنظري نحوه فوجدته مذهولا ينظر إليّ نظرة شفقة و دهشة و حب.. ثم فجأة هجم نحوي إعتقدت أنه سيقوم بضربي أو شيء كهذا لكنه فعل العكس لقد قام بإحتضاني بقوة  شديدة جعلتني أتنفس بصعوبة, لأول مرة تأتي كلمة "لكن" لتقلب السلبي لللإجابي و ليس العكس, إعتقدت أني ربما سأخسر بعض من علاقتي الفريدة بزوجي و ربما سأخسر بعضا من قلبه و ثقته.. لقد أذهلتني قدرة الحب على قلب الأفكار و المعتقدات الراسخة.. نعم تلك المعجزة التي ننتظرها جميعا لقلب نظم أفكارنا و عقولنا, و ننسى كل ما لقنونا لنبدء بتعلم أبجادية جديدة تتلخص محورها في شخص الذي أحببنا, في الشخص الذي إختصرنا فيه كل الكون و كل العلم و الثقافة و السعادة..
أدهشني تقبله لتجربتي و لن أنعتها بعد اليوم بمؤساتي لأنها لم تكن كذلك و لأني أصبحت أؤمن بالبدايات الجديدة و الحياة بعد الموت..
أصبحت أؤمن أننا نموت أكثر من مرة و نولد أكثر من مرة  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More