تستيقظ الأم من حلمها تبكي جزعةً:"ضاعت فرحة إبنتي ضاعت, فستناها الابيض ضائع في سواد بلا نهاية و إختفي بريق فرحتها وراء شفق الحزن شيئا فشيئا بلا عودة"
حتى البنت لا تعلم معنى ما تقول.. إنها الأم و قصة جهاز التتبع الذي يزرع فينا منذ الولادة.. تعلم ما لا نعلم و تحس ما لم نعشه بعد.. تحتضن البنت أمها لتطمئنها و تحدثها عن حلمها الجميلة لعلها تخفف جزعها و تطفئ حرقتها.. تحدثها عن ثقة تسكن خارج الحذر و حب يسكن خارج الزمن و حلم يتجسد بين يديها كواقع لا يمل..
كفت دمعة الأم لكن خوفها لم يخفي و تراجع جزعها ليبقي مكانه حزن دفين و حذر فوق الحذر..
كل ذلك الحذر يخنق البنت و يممللها و يضيق حرياتها و يدفعها للتمرد يرميها في أحضان نسمات غريبة تعتقدها الحرية.. تأخذها نحو متنفس من سجن غرفة حيث يتآكلها الملل و تهاجمها هواجس عن وحدة أبدية ستقتلها لا محال في ظل الخوف و اليأس..
"لا تخافي يا أمي, إبنتك, إبنة الحياة, رفيقة التجربة و الخطأ, إني أتعلم , و كل تعثراتي تمهد لي طريقا جميلا للحياة"
لكن الأم لا تقتنع, يظل الخوف يسكنها و يدفعها لقتل كل حلم و قتل كل فكر حر, تذكرها بالعادة و الناس و المجتمع و الأفواه الثرثارة التي لا تمل.. و تزيد في التضييق مع كل تمرد, مع كل تحرك, مع كل نفس حر..
إنها تختنق, تخرج قليلا على لسطح لتأخذ نفسا ثم تعود للإختناق لا تستطيع أن تكسر قيدها الذي يغرقها مرة واحد, تعلقها بحضن أمها الخانق يمنعها.. في أحد محاولاتها لأخذ نفس صغير يمنعها من الموت وسط كبت و حبس رهبان, تركت المنزل, تركت الامان, لترمي نفسها في حضن مجهول ترى فيه بعض الخلاص..
لتبحث عن متنفس, عن واقع حر وسط مجتمع ذئاب..
كان يقول أنه يحبها, حمل لها كل عناوين الوفاء و رسم على وجهه كل ملامح المحبين لينقعها بكذبة رسمت بها أحلاما لطريق الخلاص.. لكن..
لم تحمل رسائل الوفاء سوى نية بالغدر و نظرات الحب كانت سهاما للشهوة لا تشبع.. على فراش الحب سرقت فرحة البنت كما كانت ترى الام في كوابيسها..
مجتمع محافض, يسمي الحمل خارج إطار الزواج سفاحا (سأسميه كما يفعلون) ثمرة الحب..
إنه حب من طرف واحد, هل يبقى حب؟
لقد رحل و تركها بعد ان أشبع رغبته منها, ربما ذهب لفريسة أخرى, يستغلها الاخرى و يرحل, هكذا يعيش بعض "الرجال" في بلادنا و يسمونها "رجولة" و "فحولة" و "هبة من الله".. رحل و تركها وحيدة في مجتمع لا يرحم, حامل بثمرة خطيئة لا تغفر.. وحيدة.. بلا سند و بلا هدف و أهم شيء بلا حب.. تركها مع مسؤولية خطيئة تنمو في أحشائها يوما بعد يوم..
ضائعة هي في شوارع مدينة كبيرة مع طفل بلا نسب, ناقصْ في نظر الجميع مهما كمل..
تحبسه في حضنها و هو يواصل التكور فيه يريد الرجوع للوراء و الإستقرار في بطنها للأبد.. هارب من نظرات الإزدراء الممذوجة بالشفقة مع إعتراف منافق بلاذنبه في وصمة عار أمه.. لكنه يضل يدفع هو و هي ثمن ثقة سكنت خارج الحذر و حب أسكنته خارج الزمن و مجتمع محافض حد التخلف لا يرحم..
0 التعليقات:
إرسال تعليق